ان فكرة تقسيم الأشخاص إلى
منطقيين/خياليين أو تحليليين/مبدعين تبعاً لسيطرة أحد نصفي الكرة الدماغية، هي
واحدة من أكثر الأفكار انتشاراً..فاذا كان نمط تفكيرك منطقي و تحليلي و تميل للأمور المنظمة، فأنت حتماً ذو دماغ أيسر، أي أن
النصف الأيسر من دماغك هو المسيطر، أما إذا كنت خيالي و مبدع و عاطفي، فأنت حتماً
ذو دماغ أيمن، أي أن النصف الأيمن من
دماغك هو المسيطر و لكن، من قال أنها صحيحة؟ و من أثبت صحتها؟
فكرة تقسيم البشر حسب سيطرة أحد نصفي الكرة الدماغية، هي فكرة انتشرت منذ ستينيات القرن الماضي، على يد عالم العلوم العصبية الأمريكي مايكل غازانيغا(Michael Gazzaniga)، و أطلق هذه النظرية، تبعاً للمعلومات الفيزيولوجية التي كانت متوفرة عن الدماغ بذلك الوقت، و طبقاً له، فإن نصفي الكرة المخية يختلفان بشكل حدي في مهامها و وظائفهما بشكل كبير و محدد، و كل منهما مسؤول عن وظيفة معينة، بدليل أن الشخص الذي يستعمل يده اليسرى في الكتابة بحياته اليومية، يأخذ أوامره من نصف الكرة المخية الأيمن، و بالعكس.
المشكلة أن هذه الفكرة قد أصبحت منتشرة بشكل كبير في حياتنا اليومية، حتى أصبحت واحدة من المسلمات العلمية التي يتعامل معها البشر بكل يوم في حياتهم الطبيعية، و في مقال للباحث بمجال العلوم العصبية الأمريكي كريستيان جاريت Christian Jarrett، يوضح جاريت رأيه أن هذه الفكرة و على الرغم من ضعف دلائلها و إثباتاتها العلمية، و على الرغم من عدم وجود دليل ملموس لها، فمن الصعب جداً إلغاؤها بسبب انتشارها الكبير و وصولها لمرحلة كبيرة من المصداقية عند البشر جميعاً على حد سواء.
لكن مع مرور الوقت، و تزايد تقنيات التصوير الطبي، و خصوصاً الأنماط القادرة على تمييز البنى الوظائفية، فقد تبين أن شبكة الخلايا العصبية متداخلة و معقدة بشكل أكبر مما نتصور.
و كمثال: تم إجراء بعض التجارب لتحديد من هو النصف المسؤول عن الحديث، عند أشخاص مختلفين، بعضهم يستخدم يده اليمنى بالحياة اليومية و الآخر يستخدم يده اليسرى، و النتيجة كانت متشابكة، فكلا نمطي الأشخاص، يتم التحكم بعملية الحديث لديهم عبر نصفي الكرة مجتمعين، و بعضهم يظهر سيطرة أكثر لأحد النصفين على الآخر، و لكن بدون فوارق حدية، أو اختلافات جذرية.
و النتيجة الأكثر إذهالاً بهذا الخصوص، هي أنه لا يوجد "نصف مهيمن"، فقيام الإنسان بكافة الوظائف اليومية، يستدعي عمل معظم خلايا الدماغ مع بعضها البعض، و بعض التجارب الحديثة التي أجريت على الأشخاص المستخدمين ليدهم اليسرى، بينت أن كلا نصفي الكرة المخية يتدخل في التحكم بعملها، و العكس صحيح أيضاً، و على الرغم من صحة الفكرة القائلة أنه يوجد مناطق مسؤولة عن وظائف عقلية أو فكرية، إلا أن البيانات الحديثة بينت أن قيام الإنسان بعمل ما، يتطلب اشتراك و تكامل خلاياه العصبية كاملةً لتنفيذ هذا الأمر.
الحقيقة الأكيدة الوحيدة بهذا المجال، أن نصف الكرة الأيسر يسيطر على أفعال النصف الأيمن من الجسم، و العكس صحيح، و هذا ما أكدته نتائج الدراسات العصبية طوال أكثر من 100 عام.
الجدير بالذكر، أن العالم غازانيغا لا يزال يدافع عن نظريته حتى اليوم، و يحاول أن يثبت صحتها، اعتماداً على الفوارق بين نصفي الكرة المخية، على الرغم من أن المعطيات و المعلومات المسجلة سنوياً، تشير إلى تكاملية عمل الدماغ، عبر نصفيه، الأيمن و الأيسر، و الأهم، أن انتشار هذه الفكرة بشكل كبير، يعطي انطباع خاطئ و قناعات ذاتية نفسية بين البشر أنفسهم، قد تسبب الشعور بالفشل و الإحباط الكاذب لدى البعض، أو امتلاك قدرات وهمية و كاذبة لدى البعض الآخر.
يبقى السؤال...لماذا بعض الأشخاص موهوبين بمجال معين دون غيرهم، أو أن البعض ماهر بمجال أكثر من غيره...حسناً، هذا ما سنجيب عليه بالمقال القادم "عقل الخبراء"، و مقال "نظرية الذكاء المتعدد".
المصادر:
http://scienceblogs.com/neurophilosophy/2007/10/13/the-left-brain-right-brain-myt/
http://www.positscience.com/brain-resources/brain-facts-myths/brain-mythology
فكرة تقسيم البشر حسب سيطرة أحد نصفي الكرة الدماغية، هي فكرة انتشرت منذ ستينيات القرن الماضي، على يد عالم العلوم العصبية الأمريكي مايكل غازانيغا(Michael Gazzaniga)، و أطلق هذه النظرية، تبعاً للمعلومات الفيزيولوجية التي كانت متوفرة عن الدماغ بذلك الوقت، و طبقاً له، فإن نصفي الكرة المخية يختلفان بشكل حدي في مهامها و وظائفهما بشكل كبير و محدد، و كل منهما مسؤول عن وظيفة معينة، بدليل أن الشخص الذي يستعمل يده اليسرى في الكتابة بحياته اليومية، يأخذ أوامره من نصف الكرة المخية الأيمن، و بالعكس.
المشكلة أن هذه الفكرة قد أصبحت منتشرة بشكل كبير في حياتنا اليومية، حتى أصبحت واحدة من المسلمات العلمية التي يتعامل معها البشر بكل يوم في حياتهم الطبيعية، و في مقال للباحث بمجال العلوم العصبية الأمريكي كريستيان جاريت Christian Jarrett، يوضح جاريت رأيه أن هذه الفكرة و على الرغم من ضعف دلائلها و إثباتاتها العلمية، و على الرغم من عدم وجود دليل ملموس لها، فمن الصعب جداً إلغاؤها بسبب انتشارها الكبير و وصولها لمرحلة كبيرة من المصداقية عند البشر جميعاً على حد سواء.
لكن مع مرور الوقت، و تزايد تقنيات التصوير الطبي، و خصوصاً الأنماط القادرة على تمييز البنى الوظائفية، فقد تبين أن شبكة الخلايا العصبية متداخلة و معقدة بشكل أكبر مما نتصور.
و كمثال: تم إجراء بعض التجارب لتحديد من هو النصف المسؤول عن الحديث، عند أشخاص مختلفين، بعضهم يستخدم يده اليمنى بالحياة اليومية و الآخر يستخدم يده اليسرى، و النتيجة كانت متشابكة، فكلا نمطي الأشخاص، يتم التحكم بعملية الحديث لديهم عبر نصفي الكرة مجتمعين، و بعضهم يظهر سيطرة أكثر لأحد النصفين على الآخر، و لكن بدون فوارق حدية، أو اختلافات جذرية.
و النتيجة الأكثر إذهالاً بهذا الخصوص، هي أنه لا يوجد "نصف مهيمن"، فقيام الإنسان بكافة الوظائف اليومية، يستدعي عمل معظم خلايا الدماغ مع بعضها البعض، و بعض التجارب الحديثة التي أجريت على الأشخاص المستخدمين ليدهم اليسرى، بينت أن كلا نصفي الكرة المخية يتدخل في التحكم بعملها، و العكس صحيح أيضاً، و على الرغم من صحة الفكرة القائلة أنه يوجد مناطق مسؤولة عن وظائف عقلية أو فكرية، إلا أن البيانات الحديثة بينت أن قيام الإنسان بعمل ما، يتطلب اشتراك و تكامل خلاياه العصبية كاملةً لتنفيذ هذا الأمر.
الحقيقة الأكيدة الوحيدة بهذا المجال، أن نصف الكرة الأيسر يسيطر على أفعال النصف الأيمن من الجسم، و العكس صحيح، و هذا ما أكدته نتائج الدراسات العصبية طوال أكثر من 100 عام.
الجدير بالذكر، أن العالم غازانيغا لا يزال يدافع عن نظريته حتى اليوم، و يحاول أن يثبت صحتها، اعتماداً على الفوارق بين نصفي الكرة المخية، على الرغم من أن المعطيات و المعلومات المسجلة سنوياً، تشير إلى تكاملية عمل الدماغ، عبر نصفيه، الأيمن و الأيسر، و الأهم، أن انتشار هذه الفكرة بشكل كبير، يعطي انطباع خاطئ و قناعات ذاتية نفسية بين البشر أنفسهم، قد تسبب الشعور بالفشل و الإحباط الكاذب لدى البعض، أو امتلاك قدرات وهمية و كاذبة لدى البعض الآخر.
يبقى السؤال...لماذا بعض الأشخاص موهوبين بمجال معين دون غيرهم، أو أن البعض ماهر بمجال أكثر من غيره...حسناً، هذا ما سنجيب عليه بالمقال القادم "عقل الخبراء"، و مقال "نظرية الذكاء المتعدد".
المصادر:
http://scienceblogs.com/neurophilosophy/2007/10/13/the-left-brain-right-brain-myt/
http://www.positscience.com/brain-resources/brain-facts-myths/brain-mythology